المقدمات الفلسطينية
بما أن الفلسطينيين كانوا دائما سباقين و فى مقدمة الدول العربية فى مجالات التعليم و العلوم الانسانية و عرفوا قبل غيرهم تلك الفضائل فيمكن اعتبار ما يحدث الآن فى فلسطين مقدمة لما يمكن أن يحدث فى الدول العربية ذات النظام الجمهورى.
الفلسطينيون كانوا خلافا لمعظم الدول العربية أكثر العرب حرصا على ارسال ابنائهم الى الخارج لتلقى العلم الحديث خصوصا فى المجالات الانسانية بينما ركز باقى العرب على العلوم الأخرى كالطب و الهندسة لأنه يمكن تطبيقها فى بلادهم أما الفلسطينيون فلا وطن لهم و عليه برعوا فى دراسات السياسة و التاريخ و الأدب و خلافه.
كذلك فان الفلسطينيين هم أول من عقد انتخابات حرة لا تزوير فيها و كان قادتهم يحصلون على تفويض حقيقى لا شك فى صحته من شعبهم و هذا هو السبب الذى أتى بحماس الى الحكم فى غزة.
الواقع الموجود اليوم فى فلسطين يدل على وجود استقطاب حاد فى المجتمع بين فتح و حماس بحيث أصبح هناك شرعيتان و سلطتان كلاهما تناحر الأخرى حتى الموت مما أدى الى صعوبة الاتفاق على أى شىء مع اسرائيل أو غير اسرائيل.
عندما مل الشعب فى غزة من التفاوض الغير منتهى و التلاعب اللانهائى من جانب أمريكا و اسرائيل بل و الاتحاد الأوروبى أيضا قرر الناخب هناك اعطاء صوته لأكثر الأصوات تشددا و أعلاها مناداة بالحرب و هى منظمة حماس.
نتج عن ذلك ما نراه من حرب طاحنة بين الطرفين و انقلاب من حماس على فتح ثم ثم قبول حماس بأشياء عادت و نفت قبولها بها ثم محاولات مصرية للم الشمل بين المتناحرين و كم أضاع الطرفان من وقت و جهد و دم فى تلك الصراعات لم يستفد منه الا اسرائيل.
أقول أن هذا انما هو نموذج ان لم ينته سريعا فسوف يكون مثالا يحتذيه كثير من الجماعات المعارضة فى كل الجمهوريات العربية. ان جميع نظم الحكم فى الجمهوريات العربية غير شرعية و لا هى منتخبة و أقل الأنظمة عمرا جاوز العشرين عاما فى السلطة و ذلك فى ظل قمع غير مسبوق للمعارضة التى هى اسلامية فى الاساس بسبب الثقافة السائدة و بسبب اليأس من أى مشروع غير دينى بعد فشل كل شىء تمت تجربته فى تطوير هذه المنطقة المنكوبة.
لو استمرت الأنظمة الجمهورية فى تجاهل الحاجات الأساسية لشعوبها لفترة قصيرة من الآن فسوف يقوم بالتأكيد جهاز موازى للدولة قائم على الشعور الدينى العاطفى من ناحية و اليأس من أى اصلاح حقيقى من ناحية أخرى و يبدأ فى منافسة الدولة فى دورها و يوطد أقدامه فى المجتمع و يعتاد الناس على رؤيته قائما بما لا تقوم به الدولة اللا شرعية المترهلة الكسولة المهترئة الفاسدة و بعدها بقليل يصبح هذا الاتجاه بديلا عن الدولة بل و سوف يناطحها و يثبت تفوقه عليها و هو ما حدث فى فلسطين حيث أنه من الواضح أن السلطة التى انتخبها الفلسطينيون منذ 15 عاما و الممثلة فى فتح لم تعد تحظى لا باهتمام و لا باعتراف مواطنيها بها.
لعل أول من تنبه الى ذلك هى الدولة المصرية التى تعانى من ذات الأمراض و التى تناضل لابقاء الوحدة الفلسطينية قائمة و لو مؤقتا و الظاهر أن السبب الحقيقى هو منع انتشار هذه الظاهرة و امتدادها الى داخل المجتمع المصرى نفسه الذى أصبح هو أيضا مستقطبا بين أغنياء و فقراء و اسلاميين و لا اسلاميين مما يمهد الأجواء لخروج عن سلطان الدولة و هو ما حاولت قوانين تنظيم الجمعيات و النقابات و كل أشكال العمل المدنى أن تحققه بالقمع التشريعى تارة و بالمال تارة أخرى و بالمشاريع عديمة المحتوى مثل توشكى فى حالة ثالثة و هلم جرا... أعتقد جادا فى اعتقادى هذا أن الغرض من الاصرار المصرى على المصالحة الفلسطينية انما هو عمل مصرى داخلى صميم المقصود منه دفع خطر الانقسام عن مصر و ليس خدمة القضية الفلسطينية التى لا يريد أحد أن يخدمها عن حق.
ان حالة انسحاب الدولة العربية من كافة مجالات الحياة – عدا مجال الأمن ذى اليد الثقيلة – سوف تسفر عن قيام حالة فلسطينية على كل أرض عربية محكومة بنظام جمهورى.
انتبهوا يا رؤساء الجمهوريات العرب فدولكم باتت على شفا الانقسام تماما كما حدث فى فلسطين .
انها مقدمات فلسطينية لظاهرة عربية أعمق و أكبر بكثير من فلسطين سوف تظهر قريبا و لن يكون فى مقدور أحد منكم دفعها.
أما الممالك العربية فهى بالفعل الأكثر ثباتا و الأفضل تنظيما و بالتالى الاقرب الى تحقيق التقدم.
الرئيسية 
