الدوله : فلسطين اللقب : ابومحمد نوع الاشراف : مدير عام تاريخ التسجيل : 10/12/2009 رساله sms : •·.·`¯°·.·• أمل مشرق لغد جديد •·.·°¯`·.·•
موضوع: الفنانة تمام عارف الأكحل الأحد فبراير 14, 2010 8:48 pm
الفنانة تمام عارف الأكحل
سنتحدث اليوم عن فنانة فلسطينية متميزة من الرائدات اللواتي وضعن بصمة واضحة في مسيرة الفن التشكيلي الفلسطيني وهي الفنانة التشكيلية تمام عارف الاكحل التي تلقب بزيتونة الفن التشكيلي الفلسطيني . واختياري لهذه الفنانة لدرورها في ترسيخ هوية مميزة للتشكيل الفلسطيني ولانها تشكل التوام الروحي للفنان التشكيلي اسماعيل شموط فهي زوجته ورفيقة دربه وهما كانا سفيرين هامين للقضية الفلسطينية حول العالم للتعريف بقضيتهم العادلة من خلال لوحاتهما عن القضية الفلسطينية ووقفة عند السيرة الذاتية للفنانة تمام الاكحل نقرأ : ولدت تمام الاكحل في مدينة يافا - بفلسطين عام 1935 وكانت ممن شردتهم النكبة مع أهلها من يافا إلى بيروت عام 1948 وفي عام 1953 منحتها كليــة المقاصــد في بيــروت بعثـة لدراســة الفن في المعهد العالي للفنون الجميلة بالقاهرة وفي عام 1957 حصلت على شهادة الفنون الجميلة وشهادة إجازة تدريس الفن من المعهد العالي لمعلمات الفنون بالقاهرة كان اول معرض لهامع زوجها اسماعيل شموط عام 1954 في القاهرة الذي افتتحه ورعاه الرئيس جمال عبد الناصر وكان من ضمن الحضور السيدة ام كلثوم شـاركت في المعرض الذي أقامــه زميلـهـا الفنّان إسماعيل شموط ومن ثم شاركته بعد ان اصبح زوجها في كافة المعارض التي أقيمت لأعمالهما في معظم البلاد العربية، وفي عدد كبير من بلاد العالم شاركت في عشرات المعارض المشتركة العربية والدولية في الدول العربية والأجنبية لها أعمال مقتناه في عدد من متاحف الدول العـربية والأجنبية ومن قـبل مقتني ومحبي أعمالها حاصلة على جوائز متنوعة
وإذا كان اسماعيل شموط يمثل البداية التسجيلية للفن الفلسطيني ( مطلع الخمسينات ) فإن تجربة تمام الاكحل تعتبر التجربة الرائدة بالمعنى الدقيق للريادة فهي أول تجربة فنية تتجاوز في إبداعاتها الصيغ التسجيلية في تعبيرها عن القضية الفلسطينية وهكذا فتحت الباب على مصراعيه للدخول في مرحلة جديدة متطورة ساهمت في تكوينها وكان لها دورها الفعال في التطور اللاحق في الستينات وفي التجارب التي جاءت بعدها وتجربة تمام الأكحل كانت رائدة على صعيد استلهام التراث الفلسطيني وبشكل خاص الفولكلوري وعودة لأعمالها في الخمسينات تكشف عن فنانة متمكنة من أدواتها التعبيرية وخبرة أكاديمية واسعة تمثل الخلفية المتماسكة التي انطلقت منها في بحثها الفني وصياغتها الواقع الفلسطيني صياغة إبداعية متميزة عبر التعبير عن الواقع الفلسطيني والحياة اليومية للتشرد في لوحات المأساة – الخيام – الغربة – الحنين إلى الوطن - وبصيغة تسجيلية تختلف عن غيرها
وكما قلنا فإن تمام الأكحل تُعد بحق زيتونة الفن التشكيلي الفلسطيني وعلامة فارقة في مساحة التشكيل العربي، في شخصها أو عِبر لوحاتها التصويرية المنتمية إلى ذاكرة المكان الفلسطينية. مواكبة لجماليات وأحداث فارقة في تاريخ الشعب العربي الفلسطيني، في مدونات بصرية حافلة بدروب المعاناة والألم، وبمسارات المقاومة والتفاؤل والأمل. وتنتمي لوحاتها إلى المدرسة الواقعية التعبيرية، والتعبيرية التأثيرية ذات الأنفاس الانطباعية الملتزمة بقواعد الرسم وأصول التلوين الحداثي، المشغولة وفق رتابة منطقية متوازنة ما بين فضاء المشهد وتوليفات السطوح المشغولة بحراك اللون، ومتجانسة مع بنية الهندسة المعمارية للتكوين الفني، وطريقتها في رصف العناصر والمفردات التشكيلية وفق المساقات المدرسية الأكاديمية المراعية لقواعد المنظور والنسب الذهبية القياسية لتوزيع الخطوط والملونات..
يافا عروس البحر
من غرفة استقبالها الدافئة الوثيرة، ( حين تعود بذاكرتها لأيام الطفولة في يافا، حيث نمت هناك بذرة الفن منذ نعومة أظفارها "لم يشعل فتيل الفن في نفسي منذ الطفولة شيئا كما أشعلته زغاريد أمي وباقي النسوة عندما كان الحاج أمين الحسيني يعود للبلاد عبر ميناء يافا، لتزدان الشوارع والمنازل بالفوانيس والأعلام الفلسطينية وتردف الأكحل "كانت جمالية المكان بأسره تلهمني في رسوماتي منذ كنت طالبة في المدرسة، فمساجد يافا وكنائسها وبرتقالها وبحرها، كما أثاث منزلنا الأنيق وتفاصيل حياة الناس الجميلة، برغم شبح الحرب الذي بدأ يخيم على المنطقة، كل ذلك ساهم أيما إسهام في صوغ لوحاتي منذ ذلك الحين ومابعد".
ميناء يافا .. ميناء الخير
وكما أسهمت أفراح يافا وجمالها في تكوّن الرؤية الفنية لدى الأكحل، فإنّ لذكريات النكبة والتهجير الباع الأطول، إذ تقول "مازلت أذكر عندما قطع الصهاينة في آخر عشرة أيام لنا في يافا الماء والكهرباء عنا، وكيف كنا نبكي من شدة العطش، وكذلك أتذكر نومنا بينما ننتعل أحذيتنا تحسبا لهجوم الصهاينة أثناء الليل". وفي فجر 1948/4/28 بدأ الصهاينة بطردنا من بيوتنا تحت قوة السلاح، ومازلت أذكر كلبيّ صيد والدي وعمي اللذين أطلقاهما عندما تأكد تهجيرنا، وكيف بقيا حائمين لايعلمان أين يتوجهان، كما لازلت أذكر قارورة الرمل التي ملأتها من حديقتنا عندما لاحت بوادر الترحيل".
الاقتلاع من يافا
وعن ذكريات ذلك اليوم، الذي رسمته الأكحل في لوحاتها مراراً وتكراراً، تضيف "وعندما هرعنا إلى ميناء يافا كان الحال مرعباً، فالناس يتساقطون كما الفراش بين قتيل وجريح، وثمة من يركبون قوارب البرتقال ويهربون لعرض البحر، فيما آخرون يرمون بأنفسهم في البحر لتبريد جراحهم بعدما أطلق علينا الصهاينة رصاص الدمدم". وتعقّب "ثم نزل أهلي في قارب برتقال ازدحم بنا وبغيرنا من المنكوبين، ولعل أكثر ما يراود ذاكرتي عند رسمي تلك اللحظات كانت سيدة ترمي بأطفالها في قارب البرتقال ليسقط أحدهم في الماء وسط صراخها: راح الولد راح الولد، بينما زوجها يرد عليها: بعوّض علينا الله ارمي الباقين، ومشهد تساقط كثيرين من القارب من شدة ازدحامه". وبعينين دامعتين تروي عن آخر إطلالة لها على مدينتها يافا "كان والدي يحمل50 جنيها فلسطينيا، لذا استطاع شراء تذاكر لنا كي نمتطي باخرة يونانية كان اسمها(دولرز)، وأذكر كيف أصيبت أمي بإغماءة ليحملها والدي على كتفه حتى صعد بنا جميعاً للباخرة، وعندما تحركت الباخرة أطللت على يافا لوداعها، هناك بدت يافا تحترق وسط الدخان المتصاعد، رأيت حينها كل ذكرياتنا وشقاوتنا الطفولية وأفراحنا تحترق معها". وبعد الرحلة الطويلة إلى شواطئ الشتات، تقول الأكحل "وصلنا بيروت في الثانية ليلاً بعد رحلة طويلة جرّاء الأوضاع المشتعلة. ومازلت أذكر النواح والعويل وكيف كنا14 فردا نقتسم البطانيات في وحدة سكنية ضيقة عند أحد أصدقاء والدي"، مردفة "وبعد أيام من تهجيرنا ونزولنا في المخيمات بات الناس يبحثون عن بعضهم البعض، الأم عن أطفالها والإخوة عن بعضهم، ففكرت بصديقتي التي سمعت أنها نزلت وأسرتها في مقبرة الداعوق التي غدت بعد ذلك مخيم صبرا، وهناك ذهبت فرأيتها مع باقي المنكوبين يزدحمون لأخذ الحليب والماء بينما هم حفاة وغارقون في الوحل، حينها لم أستطع الاقتراب منها، فانسحبت ولكني ذهبت سريعاً لرسم المشهد الأليم .
وعد من لا يملك لن لا يستحق
وترى الأكحل أن مشاعر "الغبن والقهر والألم وما بين ذلك من تفاعلات وتفاصيل كانت حاضرة في حياة الفلسطينيين، لاسيما أن لكل منكوب قصة خاصة، فأحدهم اختطفوا ابنته وهددوه باغتصابها إن لم يوقع على بيع الأرض، وآخر وقعوه على عملية جراحية مزعومة لأحد أفراد عائلته ليتبين أن ذلك عقد بيع للأرض، وقصص أخرى كثيرة شكلت النفسية الفلسطينية وما أفرزته من فنون". وبمزيد من الأسى بينما تنظر للوحاتها عن يافا، تتحدث الأكحل عن زيارتها عام 1997 للأراضي المحتلة، تقول "مجرد أخذ صاحب الأرض إذنا وتأشيرة لدخول أرضه فذلك قمة في القهر والإيلام، ولعل الأكثر إيلاماً عندما تجولت في يافا لأرى أزقتنا والمساجد والكنائس، كنت في حالة إجهاش غير عادية في البكاء، حتى وصلت بيتنا الذي بناه أجدادنا منذ500 عام، لأرى كيف احتلته فنانة تشكيلية إسرائيلية وحولته لجاليري إلى جانب بيتين آخرين في القدس وحيفا بحجة أنها ترسم عن الهولوكوست".".
بعد تهجير طويل تمكنت الأكحل من العودة إلى فلسطين بعد أن أعطاها والدها مفتاح منزلهم الذي طردوا منه، لكن الصاعقة التي ضربتها عند عودتها للبيت الحجري القديم، هي اغتصاب إحدى اليهوديات لبيتهم الذي ضم فقرهم وجوعهم وأفراحهم وأحزانهم، والأدهى من ذلك أن مُغتصِبة البيت كانت فنانة تشكيلة، وقد حولت بيت الأكحل إلى معرض لرسوم تشكيلية تزعم «شرعية الصهاينة في اغتصابهم لفلسطين»! رسمت الأكحل مغتصِبةَ بيتها بملابسها السوداء ووجهها الأزرق الكالح وهي تغير مفاتيح الباب وتسرق الحديقة والماء، وتغير في جداريات المنزل التي كانت تدل على الثقافة والتاريخ والهوية.. حق العودة كما ترى الأكحل له الأولوية في حياة كل فرد فينا، وفي حياة كل جيل فلسطيني، فهي ستورث أولادها وأحفادها مفتاح البيت في فلسطين، قائلة: «الفنان التشكيلي الذي هجر من البلاد حمل وطنه بين أضلعه، وعليه من خلال رسوماته أن يبيّن للعالم آلام النكبة وأحلام اللاجئ بالعودة إلى فلسطين الحبيبة، أما الفنان التشكيلي داخل فلسطين فعليه أن يرسم السعادة والأفراح والمآسي التي يتعرض لها شعبنا من اعتداءات على أيدي قوات الاحتلال الصهيوني أجمل شي في فلسطين حرمت منه، كما قالت لـ«العودة»، هي أيام نضوج شجر البرتقال، متذكرة كيف كان والدها يسقي ذاك الشجر، أما هي فكانت تجلس على شرفة البيت لاستنشاق الرائحة الجميلة للبرتقال اللذيذ. الأكحل أصرت على رسم جسدها وروحها الطاهرة وهي تطل من نافذة البيت لتنظر إلى ثمار البرتقال وتتنسم عبيرها.
شقائق النعمان
رسمت الأكحل طرد الشعب من البلاد، والتهجير القمعي الذي أُجبروا عليه، كاشفة جرائمهم التي ارتكبوها بحق الناس والأرض. تقول: «الصهاينة كذبوا الدين والتاريخ وغيّروا جغرافيا الأرض، لكن هذا لا يعني أن بمقدورهم الاستمرار بأكاذيبهم إلى الأبد، أما لوحاتنا الفنية فهي ستبقى خالدة تحكي للعالم بأسره جرائمهم البشعة، نحن لم نحمل بارودة ولم نرسم فلسفة، نحن رسمنا اللحظات المؤلمة التي عشناها، رسمنا تجربتنا الشخصية، رسمنا شعبنا القابع تحت الاحتلال، ورسمنا أحلام الشعب وطموحه وأحلام العودة التي يتوق إليها.